أطفال غزة في مواجهة الموت بسبب شحّ الطعام: المجاعة تحصد الأرواح البريئة وسط صمت عالمي
الأراضي الزراعية أصبحت شبه مهجورة، والصيادون يتعرضون لإطلاق النار على شاطئ غزة. حتى المستودعات القليلة المتبقية لم تسلم من أعمال النهب. في المقابل، تتكدس الإمدادات على المعابر، بعد منعها من الدخول.

تواجه الطفولة المجاعة في غزة منفردة، دون مساعدات أو ضمير قد يهب لنجدة هذه الأرواح البريئة.
سوار، هي واحدة من هذه الأطفال التي تعيش موتًا بطيئًا. الرضيعة ابنة الـ5 أشهر، دخلت إلى المشفى منذ أسبوعين، ولا زالت هناك في ظل نقص التغذية الذي تعاني منه.
الطبيب في مستشفى خان يون ياسر أبو غالي، أوضح أن الطفلة تعاني من انخفاض شديد في الوزن نتيجة سوء التغذية الحاد.
وقال: "عادةً ما يعاني هؤلاء الأطفال من عدم تحمل اللاكتوز (الموجودة في الحليب العادي)، وللأسف، لا يوجد بديل داخل غزة بسبب الحرب وإغلاق الحدود، ونقص حليب الأطفال المُعالج".
خالد.. طفل يروي المعاناة بجسده الهزيل
في مستشفى الأطفال الرئيسي بغزة، يعاني الطفل خالد، البالغ من العمر 9 أشهر، من ضعف حاد وجفاف شديد، ولا يتجاوز وزنه 5 كيلوغرامات، أي نصف وزنه الطبيعي.
تعاني والدته وداد عبد العال، 31 عامًا، من سوء التغذية هي الأخرى، وسط عجزها عن إرضاع طفلها. قالت بصوت خنقته العبرات: "الإرضاع يحتاج طعامًا… وأنا لا أستطيع إعطاءه ما يحتاج".
أطفالها الآخرون، أحمد (7 سنوات) وماريا (4 سنوات)، تظهر عليهم أيضًا علامات سوء التغذية. أحمد، الذي يزن بالكاد 8 كيلوغرامات، تبدو عظامه نافرة تحت جلده، بينما فقدت ماريا وزنها ولا تملك الأسرة حتى ميزانًا لقياس حالتها. وداد تقول بمرارة: "أطفالي أصبحوا هشّين كالفراخ الصغيرة".
الوضع في المستشفيات مأساوي، حيث يتم استقبال الحالات الحرجة فقط، ولأقصر فترة ممكنة. وقال الطبيب أبو غالي، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر: "لو استقبلنا كل من يعاني من سوء تغذية حاد، سنحتاج مئات الأسرّة، وحتى الآن لا نملك شيئًا لنقدمه".
أما الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة أو اضطرابات وراثية، فالوضع قاتم أكثر. وفي هذا السياق، قال الدكتور أحمد الفرح، رئيس قسم الأطفال والولادة في مستشفى ناصر: "هؤلاء حُكم عليهم بالموت".
من جهته، عبّر مايكل رايان، المدير التنفيذي لحالات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، عن قلقه الشديد قائلًا: "نحن ندمّر أجساد وعقول أطفال غزة. إذا لم نتحرك الآن، سنكون شركاء في هذه الكارثة التي تحدث أمام أعيننا. لا يجب أن يدفع الأطفال الثمن".
حصار يمنع الصيادين من العمل
يدخل الحصار الإسرائيلي الكامل على غزة شهره الثالث، فيما تنفد الإمدادات الغذائية والطبية في القطاع المحاصر الذي يعتمد أكثر من 80% من سكانه على المساعدات الإنسانية. ومع استمرار إغلاق المعابر، ترتفع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال إلى مستويات كارثية، بينما تنهار المستشفيات التي بالكاد تستطيع التعامل مع ضحايا الهجمات اليومية.
وقد وصلت أسعار المواد الغذائية القليلة المتوفرة في الأسواق إلى مستويات جنونية، وباتت خارج متناول معظم العائلات في غزة. ومع توقف توزيع الطرود الغذائية، وإغلاق المطابخ المجتمعية التي كانت شريان حياة لمئات الآلاف، أصبح مشهد الرجال والنساء والأطفال وهم يتدافعون في طوابير طويلة للحصول على فتات الطعام أمرًا يوميًا، بينما أغلقت المخابز وتوقفت شبكات توزيع المياه بسبب نفاد الوقود.
الأراضي الزراعية أصبحت شبه مهجورة، والصيادون يتعرضون لإطلاق النار على شاطئ غزة. حتى المستودعات القليلة المتبقية لم تسلم من أعمال النهب. في المقابل، تتكدس الإمدادات على المعابر، ممنوعة من الدخول.
منذ مارس، وثّقت وكالات الأمم المتحدة ارتفاعًا حادًا في سوء التغذية بين الأطفال، حيث بات الأطباء يرصدون ضعف المناعة، أمراضًا متكررة، فقدانًا سريعًا للوزن والكتلة العضلية، بروز العظام، وانتفاخ البطون، وشعرًا هشًا يتساقط بسهولة.
بحسب اليونيسف، عولج منذ بداية العام أكثر من 9,000 طفل من سوء التغذية الحاد، كان أبرزها في مارس الماضي بـ3,600 حالة، أي بزيادة بلغت 80% عن فبراير. ومع نضوب الإمدادات من المكملات الغذائية والبسكويت العلاجي، ومع غياب الأغذية المخصصة لمعالجة سوء التغذية، يواجه الأطفال في غزة مستقبلاً مظلمًا.
شارك
ما هي ردة فعلك؟






